الكايزن العربي والإسلامي
قليل مستمر خير من كثير منقطع
ليست مجرد مثل، بل منهج كامل، مصدره شريعتنا الإسلامية، تمت ترجمة لفحواه، وكُتِب عليه “صُنع في اليابان” بعنوان ملفتٍ رنان، يُقال عنه نهج الكايزن الياباني.
حين نقول (كايزن KAIZEN) فنحن نتحدث عن كلمتين يابانيين، هما (كاي) وتعني التغيير، و (زِن) وتعني الأفضل.
مبدأ الكايزن الياباني يتناول العمليات التحسينية، ليست بشكل دراماتيكي، بل بشكل صغير في أبسط صورة ممكنة، والنتيجة التراكمية لتلك التحسينات هي الانتقال إلى الحالة الأفضل.
على سبيل المثال، في جهة حكومية، قد تأخذ المعاملة أسبوع عمل كامل ليتم إنجازها، الكايزن يجتنب التحول إلى إنجاز في مدة أقصاها ٢٤ ساعة بشكل مباشر، بل يأخذها قطعة قطعة، أو كما هو المثل الشهير “أكل العنب حبة حبة“.
إذا أردنا كايزنة العملية، نبدأ من رسم شامل للخطوات والمراحل التي تمر بها المعاملة منذ تعبئة الطلب إلى تسليم النتيجة. بعد ذلك يتم تحديد أكثر الخطوات مضيعة للوقت، ليتم النظر فيها بعمق، ويمكن طرح عدة أسئلة قبل اتخاذ قرار بشأنها، وقد تكون الأسئلة مبنية على منهجية ‘لماذا الخماسية” كما يلي:
- لماذا هذه الخطوة تستغرق الوقت الأكبر؟ قد تكون الإجابة “تتم مراجعة البيانات بدقة للتأكد من صحتها بإشراف ثلاث خبراء”
- لماذا نحتاج ٣ خبراء للإشراف والتدقيق؟ ربما لضمان أن يكون القرار صحيحا
- لماذا لا يكون القرار بيد خبير واحد فقط؟ قد يكون بسبب الموضوعية واحتمالية الحيود عن المطلوب
- لماذا نسبة الموضوعية الحيود كبيرة؟ ربما لكثرة البيانات وتشعبها
- لماذا لا يتم تقليل الخيارات وتسهيلها وشرحها بوضوح وإيجاز؟ وهنا يبدأ العمل على تحسين النموذج، ويمكن استخدام منهجية البوكا-يوكي في ذلك.
كما توجد طرق أخرى مختلفة للتحسين، كدائرة ديمينج أو المعروفة بمصطلح PDCA (التخطيط – التنفيذ – الفحص – التأكيد) وهو يتم من خلال ورش العصف الذهني بين الخبراء ويحبذ مشاركة العملاء أو المستفيدين كذلك.
بعد الوصول إلى حل مناسب للخطوة الأكثر استنزافا للوقت، تتم مراجعة خارطة العمليات من جديد، بحثا عن الفرص التحسينية الأخرى، وهكذا تستمر العملية التحسينية وفقا للكايزن الياباني.
سؤال يطرح نفسه!
لماذا نحن كعرب ومسلمين، نرى الغرب والشرق بنظرة العباقرة والمخترعين؟
لا شك وأن كل منهم أضاف قيمة لحياتنا، وفعلا قد نرجع إليهم في كثير من الأمور، وذلك تطبيقا للوصية الإسلامية الشهيرة “الحكمة ضالة المؤمن، حيث يجدها فعليه بها” وهذا من سنن الله في خلقه سبحانه وتعالى.
لكن لو عدنا إلى أصالتنا العربية، وقيمنا الإسلامية الراسخة، سنجد أن الكثير من تلك العلوم الغربية أو الشرقية، هي متجذرة فينا ولها أمثلة واقعية في تاريخنا، وإلا ما كان العالم، في حقبة زمنية سابقة، يشد الرحال إلى العرب لأخذ العلم رغم البيئة الصعبة والحواجز اللغوية، وغيرها من التحديات.
إذن، لماذا ظهر الكايزن كمفهوم ياباني عظيم، وليس كمبدأ إسلامي أصيل؟
السبب بسيط جدا، فاليابانيون قد قاموا فعلا بالتطبيق والتنفيذ، ومن ثم التدوين والتعميم، وختاما بالنشر والتسويق. بينما الكثير من العرب والمسلمين للأسف، خاصة في هذا الزمان، لا يرون سوى الغرب في المرجعية العلمية، ولا يقرؤون الكتب العربية، مع أننا أمة إقرأ، بل وصرنا نتفاخر بلغاتنا المختلفة مثل الإنجليزية والفرنسية والصينية وغيرها. بل ووصل الحال إلى أنني قابلت أسرا عربية أصيلة، أطفالهم وصلو إلى سن العاشرة، ولا يتحدثون إلا باللغة الإنجليزية…
في مسيرتي الاستشارية، وجدت بعض كبار المسؤولين، يرفضون أي عروض استشارية من الشركات المحلية، دون قراءة تلك العروض الفنية، ومن تجربة شخصية لدى إحدى الجهات، تم التعاقد مع شركة محلية بقيمة لا تتجاوز ٧ ملايين ريال لمدة سنة تقريبا، وكان جوهر عملهم هو إعادة بناء ما قد تم تقديمه من شركة عالمية بعقد تجاوز ٥٠ مليون ريال في سنتين.
السبب الجذري، أن الشركة العالمية (من أكبر الشركات المعروفة) قدمت مشروعها بمنظور ثقافتها، وهو ما لا يمكن تطبيقه في ثقافتنا وفي بيئتنا، فجاءت الشركة المحلية لتقيم الأداء والإنجاز، وتجد أن العمل السابق كان مجرد (نسخ ولصق) من مشروع مشابه في دولة أخرى، ثم ( Ctrl+H) لتغيير المسميات. وبهذا لن تتمكن المنظومة من العمل بسلاسة.
على كل حال، كما نقول دائما، إذا عُرف السبب، بطُل العجب. نحن العرب لو حسّنا (كايزنا) مشاكلنا، سنجد حلولا وابتكارات ليس لها مثيل بإذن الله.
خلاصة القول، ليس من الخطأ أخذ العلم من الغرب أو غيرهم، فالعلم ليس حصريا لأحد، والحكمة ضالة المؤمن، و التشارك المعرفي مع تنوع الثقافات، لا شك بأنه ثمرة متميزة تحقق النماء للبشرية. لكن علينا دائما الرجوع والتمسك بديننا الحنيف، وعروبتنا الأصيلة، وسنجد بإذن الله الكثير والكثير من العلم والمعرفة في تنمية الذات والمجتمعات.
هل تعرف أي منهجيات عالمية لها أصل في ال عروبة والإسلام؟
دمتم في رعاية الله وحفظه
_____________
#الكايزن #التحسين_المستمر #تطوير_الذات #إدارة #ريادة_الأعمال #إبراهيم_حبيب #IbraheemHabib #KAIZEN #LEAN #Continuous_Improvement
